في عام 1975 عُرض فيلم "أريد حلًّا" بطولة فاتن حمامة ورشدي أباظة، والذي تناول قضية "حق المرأة المصرية في الخُلْع". الفيلم درامي حزين وواقعي، وبسببه دار جدل واسع حول تشريع قانون الخلع في مصر. خلال عرض الفيلم هاجم بعض الإسلاميين الفيلم، وجرى تصويره وكأنه مؤامرة ضد الشريعة، مع أن الفيلم قد يُعدُّ تصحيحًا للمسار التشريعي والديني، وقد اعتمد في عرضه على صحيح تقاليد الدين والتراث.
بعد ما يقارب 50 عامًا، عادت الدراما والسينما المصرية إلى عرض قضايا المرأة، مثل: فيلم "678"، الذي عرض -وبشكل واقعي ومباشر- قضية التحرش في الشارع المصري، وكان له دور كبير في فتح النقاش حول عقوبة التحرش في القانون المصري. وأيضًا فيلم "واحكي يا شهرزاد"، الذي تناول خيوطًا درامية لقصص مجموعة سيدات، وعرض قضية تأخر سن الزواج، وتسلط الرجال في منظومة الزواج المصرية، والعنف ضد المرأة.
خلال السنوات القليلة السابقة، قدمت الدراما المصرية أيضًا العديد من الأعمال التي تناولت قضايا مختلفة للمرأة المصرية، كحق تعدد الزوجات للرجال، والعنف الأسري، والخيانة الزوجية. ولكن، ظلت متحفظة في طرحها دون أن تشتبك مع القانون أو الدين، واكتفت بأن تكون مرآة درامية للواقع، وأحيانًا ساخرة غير عابئة بآلام النساء.
إلا أن تناول الدراما قضايا المرأة المصرية، دائمًا يفتح بابًا واسعًا للجدل والنقاش حول واقعية الأحداث وتلامسها مع ما نراه بشكل حقيقي في مجتمعنا، ومدى اتساق العمل معه. هذا الفخ الذي قد تقع فيه بعض الأعمال الدرامية أخيرًا، والتي تبحث عن تقديم حكاية خفيفة مسلية، وهو بالفعل أحد أهداف الفن والدراما وغاياتها - يستخدم أسلوب الخطابية والمباشرة، الذي يَنقل من خلالها الكاتب أو السيناريست آراءه على لسان أبطال العمل، بحسب ما نرى في مسلسل "فاتن أمل حربي"، الذي يعرض هذه الأيام بمناسبة شهر رمضان لعام 2022. وهو عمل يتناول مشاكل قانون الأحوال الشخصية وتَعنُّت فتاوى بعض الشيوخ ضد المرأة، ويفتح ملفات كثيرة حول تسوية المنازعات بين الزوجين في حالات الطلاق والعنف الأسري، وتعامل الدولة مع ضحايا تلك الجريمة، والنفقة وحق الحضانة للأم، وغيرها. العمل يعرض كل ذلك بشكل متقطع، يجمع في كل حلقة خيوطًا لا تتشابك، ولكنها تسرد الواقع فقط، وتنطق فيه البطلة "فاتن" بلسان الكاتب بشكل غير متناسق مع أبعاد شخصيتها، وذلك إن وضعنا في الاعتبار أنها ضحية عنف أسري استمر مدة 8 سنوات. فنجد أن الكاتب اختار أن تجادل فاتن كلًّا من القضاة والشيوخ وزوجها وكل من يهمه الأمر، ثم تفوز في المناقشة مكررة قولها: "ده قانون ظالم، أو ده ميرضيش ربنا".
قد يكون السبب في ذلك هو أن الكاتب "رجل"، ليس لديه أدنى فكرة عن مشاعر النساء المعنفات. فيحكي "الحدُّوتة" من الخارج، لا من واقعه. وقد يكون أسلوبًا متعمَّدًا، بغرض تحويل العمل إلى مشروع توعوي.
لذلك، طريقة العرض تجعلنا نسأل: "هل نتغاضى في سبيل تسليط الضوء على قضية هامة، أو على مأساة تعيشها النساء المصريات يوميًّا في محاكم الأسرة، عن عمل درامي يفتقد عنصرًا مهمًا من عناصر الدراما أصلًا؟ وهل كان من الممكن عرض القضية ذاتها بشكل أكثر عمقًا، على نحو يجذب عددًا أكبر لمشاهدة الجودة، لا لملاحظة السرد؟". هذه التساؤلات قد نطرحها أيضًا، عندما نجد أعمالًا درامية تعرض قصصًا خيالية عن حياة المرأة المصرية. كأنْ نُشاهد مثلًا: نساء يحققن ذواتهن دون أي عواقب مجتمعية، وكأنه يوافق سهولة تحقيق الإرادة الإلهية التي تنقلها الآية القرآنية: "إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون". فتجد المرأة من يدعمها ويساعدها، وتُحقق الآمال، وتنتهي "الحدوتة" نهاية سعيدة. إلا أننا نكاد لا نراها على أرض الواقع.
قد يكون الشكل الأول للدراما وقْعُه ثقيل على المُشاهد/ة بسبب زخم السرد، ولكنه معبِّر ومطلوب في رأي بعضهم. أما بعضهم الآخر فيجد أن الفن هو أداة للإمتاع، دون وجوب عرض الواقع الحزين بشكله الحالي. ولكن من منظور نسوي، أيُّ الأعمال قد يكون مفيدًا، أو أداة حقيقية تساعد على تحسين أوضاع المرأة المصرية؟
عندما ذكرنا فيلم "أريد حلًّا" وغيره من الأعمال التي نجحت في هذه المعادلة، كان ذلك بهدف تأكيد أهمية تناول السينما والدراما قضايا الواقع، بنحوٍ لا يتنافى مع تقديم عمل جيد على الجانب الفني، بل يمتع المُشاهد ويجعله متفاعلًا، أكثر من كونه مجرد مستمع لخطبة على لسان البطلة، أو موعودٍ بأمل زائف بغرض الإمتاع، حيث تجد فيه المرأة المصرية سعادتها مدة دقائق معدودة، ثم تعود بعدها إلى الواقع.
نجاح الدراما في عرض قضايا المرأة له دور أساسي في تحريك الرأي العام، وتسليط الضوء، ومخاطبة الدولة بهدف تشريع قوانين أو تعديلها، أو إيجاد حلول عملية تخرجنا من نفق مظلم بلا مخرج، تعيش فيه النساء في مصر. إلا أنه بين الواقع والخيال تضيع آلام النساء، ولا يجدن من يحكيها للعالم بشكل صادق وعفوي.
مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.
إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.