أزمة اللاجئين ليست بالجديدة، ولكنها تعاظمت، خاصة بالنسبة إلينا -نحن مُواطني العالم العربي-، بعد نجاح الأنظمة الحاكمة في كثير من الحالات في إجهاض الثورات أو وأدها، يدًا بيد مع الشعبوية والتطرف، في شراكة تبدو كأنها أتت على غير ميعاد.
تنطلق الكثير من موجات اللاجئين/ات من دول: كسوريا والعراق وليبيا والسودان ودول أفريقية، إضافة إلى موجات لاجئين من إيران وأفغانستان وغيرهما، لأسباب متعلقة بحال الحريات أو العمل السياسي أو الأمان أو الوضع الاقتصادي. مئات ألوف اللاجئين/ات وصلوا خلال السنوات القليلة الماضية إلى دول أوروبا الغربية على نحو خاص، حيث واجهوا مشاكل متعددة، اختلفت باختلاف الدول المستضيفة واختلاف سياساتها حيال اللاجئين، منها: ضعف الاندماج، والبطالة، والتطرف، والعنصرية، وخطاب الكراهية المتبادل، إضافة إلى مشاكل اجتماعية واقتصادية.
بطبيعة الحال، ظهرت أمثلة إيجابية مشجعة، كالمثال الألماني بقيادة "أنجيلا ميركل"، التي ساهمت رؤيتها وإصرارها في تقديم ملجأ آمن لعدد كبير من اللاجئين/ات، في حين اتَّبعت دول أخرى سياسات أقلَّ ترحيبًا، أبقت اللاجئين قلقين تجاه وضعهم القانوني واستقرارهم -كما هو حال السوريين في الدنمارك مثلًا-، أو قابلَتهم بقمع أمني تَضمَّن ممارسات عنيفة بدَت مُمنهجة، كحال بعض دول أوروبا الشرقية، التي كانت ممرًّا للَّاجئين برًّا من تركيا واليونان إلى دول أوروبا الغربية.
عند الحديث في دوافع الدول ذات الموقف الإيجابي من اللاجئين، نلاحظ تعدُّد الأسباب المطروحة، وبروز أسباب مصلحية متعلقة بالحاجة إلى اليد العاملة الماهرة والرخيصة، إضافة إلى أسباب أخرى لم تكن -بالنسبة إليَّ على الأقل- مقنعة بشكل كافٍ؛ إذ لا يمكن تجاوُز حقيقة أن تشريعات أغلب هذه الدول وقوانينها قائمةٌ نصًّا على روح الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمعاهدات المتعلقة به، وبينها تلك الخاصة باللاجئين، حتى ولو ضيَّقَت مصالحُ العمل السياسي والحزبي مساحتَها قليلًا، أو جعلَتها أكثر اتساعًا بحسب التوقيت أو مصالح الحزب الحاكم.
على أساس هذه الحقوق والمعاهدات، وطُرق فهمها، وتقدير حالة البلدان التي قَدِم اللاجئون/ات منها، يجري تقرير منحهم حق اللجوء الدائم أو المؤقت، أو حتى سحبه. لكن، هناك في هذا السياق وجهة نظر مهمة، لا بد من تجديد طرحها وأخذها بعين الاعتبار، وهي: إضافة إلى حقوق الإنسان، هناك دَيْن أو واجب آخر، على هذه الدول دفعه أو تأديته. وبرأيي، أوَّل هذه الأسباب الرئيسية، الحال التي وصلت إليها بلادنا على صُعد عدة، حيث دفعَت المواطنين/ات إلى ركوب قوارب الموت سعيًا نحو عيش حر كريم، وهي سياسة الكثير من الدول المستقبلة للاجئين.
مَن الذي سكَت عن الأنظمة العسكرية والديكتاتورية التي حكمت شعوبنا بالحديد والنار؟ ومن رأى أو عَلِم بقمع الحريات والإبداع والفكر وتَجاوَز عنه لمصالح دولته؟ ومن باع الأسلحة التقليدية ومكونات تلك الكيماوية منها، التي استُعملت ضد المواطنين في أكثر من دولة وفي أكثر من مناسبة، دون أي مساءلة جدية؟ ومن استغل الموارد الاقتصادية للبلاد المعنية خلال احتلالها، أو حينما كانت تحت الانتداب، أو حتى بعد الجلاء عن أراضيها؟
معلومات ووقائع وروايات كثيرة يمكن إيرادها هنا، قد يكون بعضها غير دقيق أو يمكن التشكيك فيه، ولكن ما يبقى منها حقيقةً ثابتة، يكفي كثيرًا لاعتبار السياسات المتلاحقة لدول تُعَدُّ مقصدًا للاجئين، فِعلًا مشارِكًا، بل مؤسِّسًا للبؤس أو العذاب الذي شهده هؤلاء اللاجئون. أمّا الرخاء والسلام اللَّذان تنعم بهما هذه الدول الآن، أو مراعاتُها لحقوق الإنسان على أراضيها، فقد بُنِي جزء من ذلك على دعمها دولًا أخرى في انتهاك هذه الحقوق، أو على السكوت والتغاضي عن انتهاكاتها.
ليس الهدف مما سبق زرع حقد ليس أحد في حاجة إليه، تجاه هذه الدولة أو تلك، بل هدفنا التذكير وتحديد بعض من المسؤوليات. فالمعرفة والقوة والسلطة الكبرى تأتي معها المسؤولية الكبرى. ولو لم يكن الحكام المسؤولون عن اضطهاد شعوبنا بالقتل والتعذيب، مطمئنين إلى حصانة ما، أو إلى عدم توافر اهتمامٍ جادٍّ من الدول "الحرة" بإيقافهم عند حدِّهم وحماية المدنيين، لمَا أقدموا على ما أقدموا أو يُقْدمون عليه.
تناولت تحليلات كثيرة -يمكن الاستناد إليها- سياسةَ قبول ديكتاتوريات تَحكم بلادنا، لتفضيل الاستقرار -بغض النظر عن طرق تحقيقه- على التطرف، الذي يُرى أنه البديل الوحيد عن استقرار تؤمِّنه الديكتاتوريات.
في الحقيقة، أن دعم خيار ثالث حر وديمقراطي وغير متطرف، أمرٌ ليس بالسهل، خاصة بعد شبه تصحُّر المجتمعات الذي أثمرته الديكتاتوريات، لكنه خيار ممكن -قد يتطلب تغييرًا في طرق عمل الأمم المتحدة-، وإضافة إلى كونه الخيار الأخلاقي، فهو الخيار الأسلم والأكثر إفادة على المدى الطويل. فبدل دعم استقرار ديكتاتوريات يَحمل في داخله أسباب فشله وتَحوُّله إلى اضطرابات لاحقًا، يجدر تقديم دعم جدي، لخيارات تغيير سياسي حر وديمقراطي يتضمن تنمية، حيث تؤسس كلُّها لسلام وازدهار وحقوق مستدامة واعتدال. حينها، لا حرج عليكم ألَّا تَقبلوا لاجئًا واحدًا منَّا.
مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.
إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.