يتطرَّق د. مصطفى حجازي في كتابه "سيكولوجية الإنسان المقهور" إلى نفسية الإنسان المقهور، الذي يملك المصلحة في الخروج من هوَّة التخلف، ولكنه يشكل في مرحلة ما إحدى العقبات الأساسية أمام التغيير، لِمَا يتعرَّض له من استلاب لإنسانيته، ويستشهد في ذلك بمثال المرأة المستلَبة اقتصاديًّا وجنسيًّا في البلدان النامية، التي تعاني استلابًا عقائديًّا -حسب ما وضّح الدكتور-، حيث تتبنى نظرةً إلى الوجود تتماشى مع القهر الذي فُرض عليها وتُبرِّره، جاعلةً منه جزءًا من طبيعة المرأة. فهي تقاوم تحرُّرها، وترسِّخ البُنى التسلطية التي فُرضت عليها وتُعمِّمها على الآخرين وتنقلها إلى أولادها، لا سيّما إلى البنات منهم، حيث تَفرض عليهن عملية تشريط تَضمن خضوعهن للرجل، ونقْلَهن هذه الفكرة إلى أولادهن، حيث تغرس النظرة الرضوخية إلى السلطة.
الإنسان المقهور يرى نفسه عاجزًا عن المواجهة، مستسلمًا في وضعية المغلوب على أمره، ويعاني عدم الثقة بالنفس؛ ما يجعله يبالغ في الاتكالية، وينتظر الفرج، وكأنه سيأتي وحده بدون مواجهة ومجابهة، وهذا يفسر ما يراه بعضهم من كون المرأة بشكل عام أكثر تزمُّتًا وتشدُّدًا من جهة، وأكثر إيمانًا بالغيبيات وتصديقًا للسحر والشعوذة من جهة أخرى. فالمرأة المقهورة قد لا تطرح التساؤلات الصعبة التي يمكن أن تزيد معاناتها، وعدم تقبُّلها للأمر الواقع. فمثلًا: نجدها في الدين لا تعترض على بعض التفسيرات الدينية -وإن كانت قاسية عليها-؛ إذ إنَّ هذه التفسيرات التي تميل إلى الرجل ومصلحته وتعُود عليه بالنفع، حيث تعطيه في الدنيا حقوقًا أكثر من المرأة، وتعِدُه في الآخرة بالكثير من الميزات – لا تَخْلق أي تساؤلات عند المرأة المقهورة، لأن إيمان هذه المرأة في كثير من الأحيان ليس نابعًا من فهمها لتلك التفسيرات، ولا من اقتناعها بها.
تَشدُّد المرأة في إيمانها غيْر نابع من انتظار فرج في الآخرة، ثم من النادر أنْ تفكِّر المرأة فيما ستجده في الجنة، لأنه أمر مبهم وغير معروف، ولا يجري التحدث به بكثرة كما يحصل عند التحدث بما سيجده الرجل في الجنة. إيمان المرأة في كثير من الأحيان من النوع الاتكالي، وفي ذلك تتشارك مع الرجل المقهور. هذا النوع من الإيمان دافِعُه القدرة على التحمل والصبر، ورفع عبء مسؤولية الخضوع عن الفرد. إيمانٌ مريح لها، يعطيها الإحساس بأنها مسيَّرة تمامًا، ليس لها حيلة. هذا قدَرُها، وعليها التسليم والصبر وانتظار الأجر. فإنْ كان الإنسان مسيَّرًا من رب العباد، فلِمَ المجابهة والمواجهة والرفض؟ هذه إرادة الله، والكل يجب أن يسلِّم بها. مبدأ لو طُبِّق على مر الزمن، لربَّما لم نكن لِنَخرج من العصر الحجري، ولم تكن الإنسانية لِتَصل إلى كل هذا التقدم والتطور المعرفي والعلمي، الذي استثنى -يا للأسف- كلَّ هؤلاء الاتكاليِّين/ات، الذين تَحوَّلوا إلى مستهلِكين/ات مقموعين لم يرفدوا الحضارة الإنسانية بشيء يُذكر.
هذه المرأة المقهورة، ترى في فكرة النقص في المرأة فرصةً للراحة. فكل النساء ناقصات، وكلهن لا يستطعن. طريقة مريحة تَدفعها إلى عدم المحاولة، وتَمنعها من معاتبة نفسها على رضوخها واستسلامها. فإذا ما رأت امرأةً أخرى ناجحة، تَعتبرها تهديدًا لهدوئها وسكينتها. فنجاح النساء خارج الإطار الموضوع لهن، يعني أنهنّ قد يبدَأْنَ بلوم أنفسهنّ والشعور بالتقصير، وهنَّ في حِلٍّ من هذه المعارك الداخلية. لذا، فالمرأة ترى أن من السهل الهجوم على مَن تَخرج مِن الإطار، بدل النهوض والبدء من الصفر ومجابهة صعوبات المواجهة وتداعياتها، لنبقى كلنا –نحن النساء- في موقعنا داخل الإطار، ولِنَضرب بعنف مَن تُسوِّل لها نفسها امتلاك الجرأة على الخروج.
يوضح الدكتور مصطفى حجازي، أن سيكولوجية الإنسان المقهور تجعله يكفر بالجماهير وبقدرتها. فمهما فعلوا، فسيعُودون إلى مربَّع الرضوخ والاستسلام. لذلك، تجد المرأة المقهورة أن ما تقوم به أخريات جهلٌ وخروجٌ عن المألوف، وأنهن سيندمن لا محالة، وهذا نابع من شعورها العميق بالدونية وبفقدان إمكانياتها.
إن التركيز على النماذج الرائعة من السيدات في العالم، اللواتي رأَسْنَ دُوَلهن بكل عزيمة ونجاح، وعلى أولئك اللواتي تحدَّيْن القهر والعنف وبدأن من جديد - يغيِّر النظرة الدونية التي تنظر بها المرأة إلى نفسها، ويعطيها دافعًا إلى النهوض. ثم إنَّ المطالبة بأنسنة الخطاب الديني، بما يحقق إنسانية المرأة ويوقف التمييز ضدها، يقودنا باتجاه تحرير المرأة من قيود الاتكالية والخوف، ويدعم تطورها في إطار سعي الدين لنهضة مجتمعية متكاملة.
مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.
إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.