أثارت تصريحات شيخ الأزهر بإعادة إحياء فتوى حق الكد والسعاية، والتي تضمن حق المرأة في ثروة زوجها عند وفاته، في حالة مشاركتها له في تنميتها، جدلًا واسعًا حول ما تعنيه الفتوى، وما تَضمنه، وأي نوع من المشاركة تضمن للزوجة التعويض من ثروة الزوج.
يرجع الأصل الفقهي لفتاوى حق المرأة في "الكد والسعاية" إلى أدلة الشريعة الإسلامية، والتي منها الآية القرآنية: {لِلرِّجال نصيبٌ مما اكْتسَبُوا ولِلنساء نصيبٌ مما اكْتسَبْنَ} [النساء: 32]، إضافةً إلى قضاء الخليفة عمر بن الخطاب، بحق زوجة في مال زوجها الذي ساهمت فيه قبل توزيع الميراث، وأيضًا اقتداء كثير من القضاة والفقهاء بقضاء الخليفة عمر عبر العصور.
أوضح مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية بعض الشروط لتطبيق الفتوى، منها أن حق الكد والسعاية لا تختص به الزوجة فقط، ولكن كل من ساهم أو شارك في تنمية ثروة الغير: كالابن أو الأخ أو الابنة أو الأخت. وأيضًا أوضح أن الفتوى لا علاقة لها بالأعمال المنزلية، التي تقوم بها الزوجة بدون أجر.
جاءت دعوة إحياء فتوى الكد والسعاية بعد موجة غضب على السوشيال ميديا، هاجمت شيخ الأزهر بسبب تصريحاته في برنامجه التليفزيوني حول حكم ضرب الزوجة، حيث أشار في حديثه إلى أن الهدف منه في الإسلام هو كسر كبريائها وتهذيبها، على الرغم من مناشدة الشيخ في تجريم العنف بكل أشكاله. لكن تلك الدعوة لم تكن هي البداية، وجاءت تلك الفتوى باعتبارها أحد مُخرَجات مؤتمر الأزهر لتجديد الفكر الإسلامي في عام ٢٠١٩. وهو ما يطرح أكثر من تساؤل: "لماذا الآن؟ وهل هذه الفتوى كافية لتحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز المساواة، التي تطالب بها بعض التوجهات النسوية بصفتها حقًّا أساسيًّا من حقوق المرأة؟".
تقوم المرأة المصرية بالأعمال المنزلية، ورعاية الأطفال، والاهتمام بشؤون الأسرة، والطبخ والتنظيف وغير ذلك، بدون أجر يُذكر، وذلك -بحسب ما يصنفه المجتمع المصري- هو الدور الأساسي للمرأة في حياة أسرتها. ثم إن الخطاب الذكوري الذي يتبناه بعضهم، هو أنه يجب ألَّا يكون هناك دور آخر للمرأة، على الرغم من الإحصائية الصادرة عن اتحاد عمال مصر، والتي تشير إلى أن 30% من الأسر تُعيلها سيدة. فكيف لنا أن نضمن حقوق النساء المعيلات في ظل القانون الحالي، ونضمن أيضًا التعويض المالي والمعنوي للنساء على بذل مجهودهن داخل المنازل؟ فبحسب منظمة العمل الدولية، أن العمل المنزلي هو العائق الأول أمام تحقيق المساواة في سوق العمل بين الرجل والمرأة، وذلك لأن قيام المرأة بأعمال منزلية غير مأجورة، تفوق ما يقوم به الرجل مرتين ونصف مرة على الأقل. وهو ما يمنع النساء من تحقيق استقلالهن المادي، وتنمية ثرواتهن.
بحسب المصدر نفسه، إن 57% من العمال الذين يعملون بدوام جزئي وبساعات عمل قصيرة في العالم، هم من النساء اللاتي يقمن بأعمال منزلية غير مأجورة، بحسب دراسة "المرأة في العمل: اتجاهات 2016"، المُعدّة من قبل "منظمة العمل الدولية". فنجد أن من النساء من يعملن دوامًا كاملًا بلا أجر داخل المنازل، ومنهن من يشاركن في إعالة أسرهن بشكل جزئي أو كامل، ومنهن من يقمن بالوظيفتين معًا، وهو ما ينطبق على النساء في مصر. ومع ذلك، لا نملك أية قوانين تحمي حق المرأة العاملة بأجر أو بدونه، فيما تُحققه الأسرة بالكامل من ثروات باعتبار المرأة عضوًا مشاركًا فيها.
يعرض الإسلام نموذج الأسرة بصفته مشروعًا له أسس تحميه، بهدف تنمية المجتمع. ويبحث الشيوخ عما يحافظ على هذا الكيان؛ ما يضع على عاتقَي الرجل والمرأة الكثير من الواجبات والمسؤوليات، إلا أنه مع متغيرات المجتمع لم يظهر حل إسلامي يكفل هذه الحقوق للمرأة في زماننا الآن، حتى إن حق الكد والسعاية عجز عن تحقيق ذلك. فهو مشروط بالمشاركة المباشرة للزوجة، سواء بالجهد أو بمالها الخاص في تنمية ثروة الزوج، ولا حساب لما تنفقه الزوجة على بناء الأسرة، أو لِما يعيقها عن استقلالها المادي وتمكينها اقتصاديًّا.
تطرح بعض النسويات وجهات أخرى نموذجًا جديدًا من قانون اقتسام الثروة عند الطلاق، وهو ما يَعتبر كل ما يحققه الطرفان منذ بدء العلاقة الزوجية ملكًا لهما معًا، يقتسمانه عند الطلاق، وهو ما يكفل حق كل منهما، سواء عمِلَ بأجر خارج المنزل أو بلا أجر داخله. ولكن، قد لا يجد هذا المقترح ترحيبًا، وهو ما سعت مؤسسة قضايا المرأة المصرية لتَفاديه، حيث قدمت ضمن مقترح جديد لقانون الأسرة والأحوال الشخصية، حق إبرام عقد مشاركة بين الزوجين بموافقتهما عند عقد القران، يكفل الحق للطرفين. وإنْ لم يتحقق ذلك من خلال تلاعب أحدهما، يكفل القانون الحقوق الأساسية للزوجة ونفقة الأطفال، وهو ما يُعدُّ خطوة جيدة لتعزيز التمكين الاقتصادي للنساء، وسط مجتمع تقوم فيه المرأة بأدوار متعددة، وتُحْرم فيه أبسط حقوقها.
مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.
إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.