سألت النساء على موقِعَي تويتر وفيسبوك، عن أكثر سلوك أو أمر يثير غضبهن. فجاءت الإجابات كالآتي:
تَلقِّي الأوامر – الصورة السطحية عن المرأة – الحكم عليها من خلال شكلها – اللَّف والدوران – إهانة أي امرأة في العالم – الاستهانة بما أقوم به أو أفكر فيه – التقليل من القيمة والشتم – تطويع النصوص الشرعية من قِبل الذكور لخدمة أهواء الرجل – استغلال عواطف المرأة – التعامل معي بوصفي مخلوقًا ضعيفًا ثم اجتهادي طوال الوقت في إثبات العكس – تقييم موهبتي من قِبل رجال يتعاملون مع العالم باستحقاق مرعب – الكذب – أن يقال لي: “الله يجيب لك سعد الهناء” وكأني بائرة – التقليل من قيمة عملي وكينونتي – النفاق – عِلمي أن جهدي يجب أن يزيد أضعاف الجهد الطبيعي حتى أصل إلى الهدف – ألَّا يتقبل الآخرون رفضي للزواج – التمييز على أساس الجنس – برود العاطفي للشريك- تسليع المرأة – التدخل في حياتي الشخصية – تعظيم فكرة الزواج – تربية البنت على اعتبار أنها أضعف من أن تواجه الحياة بمفردها – أن تَقبل المرأة العيش مع رجل لا يحترمها – أن أكون امرأة في مجتمع شرقي – سلب الكرامة والحرية – الاستخفاف بي والتعامل معي كأني ساذجة أصدِّق كل شيء – اعتبار المرأة كائنًا من درجة ثانية – إطلاق الأحكام على الناس جُزافًا – عدم الاعتراف بنجاحات المرأة – أن يُتوقَّع مني فعل أشياء محددة – العنف الأُسَري – الأمِّيَّة عند النساء – جرائم الشرف – اللامبالاة – الخيانة – الاستغلال المادي والمعنوي – الإهانة والتعالي.
إحداهن قالت لي: “ما عاد يغضبني شيء، وصلتُ إلى قناعة بأن الآخر لن يفهمني”. وبدوري، أجد نفسي في الكثير مما ذكرته النساء. فأشياءُ ما في دوافع غضبهن يغضبني أيضًا، مثلما يغضبني أن يُطلب من المرأة ألَّا تَغضب، أو أن تكتم غضبها. يسمون ذلك: رصانة، وأحيانًا أخرى: أنوثة. فيحذِّرونها كثيرًا من حدوث انتقاص في أنوثتها، في حال غضبت، حتى إن الطفلة يُطلب منها ألَّا تغضب، وأن تكون مؤدبة. والأدب هنا يعني الصمت الطويل والسيطرة على المشاعر، وأوَّلها الغضب.
في فوضى المشاعر المتناقضة، ثمة صراع داخلي، يتطلب مني أحيانًا الاختيار بين الحزن والغضب. فأختار في كثير من الأحيان الغضب، لأنه الأكثر مدعاة للكرامة. فتزعجني استكانة المرأة، أو اختيارها الحزن، في مواقف كان الأجدر بها فيها أن تستشيط غضبًا. فالحزن هو ذلك الانغلاق على النفس، وقد صُوِّر أحيانًا في الأدب والسينما شكلًا من أشكال الرومانسية التي تليق بالمرأة، وكأنه البديل الأفضل عن بقية المشاعر في مواقف الظلم وسلب الذات.
جُبلَت كثير من النساء في المجتمعات الشرقية على “التحكم في المشاعر”. ففتاةٌ تتحكم في مشاعرها يعني ألَّا تصرخ، وألا تغضب، وطبعًا ألَّا تُقلل من احترام أحد، حتى ولو كان هذا الآخر ظالمًا. هذا التأطير المجتمعي لغضب المرأة، شكلٌ من أشكال الوصاية عليها، ليس في اختياراتها فقط، بل في مشاعرها أيضًا. وهذا ما يؤثر في تركيبة شخصيتها على مر السنوات.
تجربتي مع الغضب، كانت تشبه التحرر من سطوة الأم، والأحكامَ المسقَطة على امرأة غاضبة. كان في الغضب صرامة أريدها، وتشبه مواقفي. وقد اكتشفتُ نفسي مع أول نوبة غضب حقيقية لشخص عاقل، حين بدأتُ عملي صحفيّةً. كان الموقف لافتًا في غرفة الأخبار، وكان مفاجئًا لرئيستي في العمل. يومها، اكتشفتُ كم أني عاقلة جدًّا حين أغضب، وكم يأخذونني على محمل الجِد حين أغضب. واكتشفتُ أن الصمت ليس أصْدَق صورة عني، وكذلك ليس المعبّر الوحيد عني. فالغضب، تلك الكتلة المدفونة في قاع المشاعر، قابلة للانفجار، حين يتجاوز أحدهم حدوده، وحين لا يفهم معنى أن يكون الآخر حليمًا، وحين يُقلِّل من شأنه أو يكاد، وحين يعتقد أنه الأقوى، ويريد أن يضع بصمته عليه، كما لو كان ملكه الخاص.
ارتبط الغضب لديّ حتى مدة طويلة، بالتعبير بحزم وقول: “لا”، حين لا يُتوقَّع مني ذلك. أمّا حين أقول: “لا” بصوت منخفض، فلا يقدِّرون حجم غضبي، ولا حجم عزيمتي في رفض ما لا يعجبني. لذا، كان عليَّ أن أقول: “لا”، بصوت مرتفع أكثر حزمًا. أيضًا يغضبني أن يستكثروا عليّ وعلى بنات جنسي الغضب، ويتوقعوا منا التقوقع في أكثر المواقف صعوبة.
إن الغضب يحل محل الخوف والاشمئزاز، لأنه أكثر عدلًا من مشاعر جلد الذات. صَوتي وأنا غاضبة، كان لا يشبه صوتي في الحياة العادية. كان مجموعة أصوات، ومجموعة نساء ورجال غاضبين، حين اكتشفتُه أول مرة. أما الهدوء في تقاسيم وجهي، فلا يعني أني مستكينة، ولا رقيقة. تلك التقاسيم لا تفصح عني ولا عن مشاعري في كل الأحوال، في حين الغضبُ عندما أعبِّر عنه خارج الكتابة، يأخذ شكلًا أكثر مباشرة. إنه لا يعجب الآخرين، لكنه يريحني. ولهذا، لا أكتم غضبي.
مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.
إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.