لنتكلم عن الكراهية. هل هي شعور، أم تصرُّف مُكتسَب؟
يتّفق بعض الباحثين/ات على اعتبار الكراهية تعبيرًا متطرّفًا عن خليط من مشاعر الغضب والاشمئزاز والاحتقار، ويعتقد العديد منهم/نّ أن الكراهية شعور/تصرّف مُكتسَب. أما الباحثة "سارة أحمد" في كتابها "السياسات الثقافية للشعور" الصادر عن جامعة إدنبرة عام ٢٠٠٤، فترى أن الكراهية ترتبط حُكمًا بمشاعر الحب والعشق. فالكراهية تعبير/شعور/تصرّف عنيف، ينطلق من الخوف. الخوف من سرقة ما نحب ونُجلّ أو ما نملك، والخوف من أن يجري استبدالنا، أو استبدال ثقافاتنا أو مقدّساتنا أو معارفنا… بمعنى آخر، نحن نَكره خوفًا على ما نُحب بقوّة. ونغذي الكراهية بالجهل، فنَعتبر كراهيتنا جزءًا من مظلوميّتنا.
قد يبدو غريبًا رؤية مدى ارتباط شعور الكراهية بشعور الحب، والرابط بينهما هو الشعور الأخطر، أي الخوف. الأمثلة كثيرة، وعلى سبيل المثال لا الحصر: العنصريّة الآريّة تنبع من حب الوطن والعِرق، والاشمئزاز من عادات الآخرين وأشكالهم، واحتقار ثقافاتهم، والخوف منهم ومن ازدياد أعدادهم؛ ما يُشكل خطرًا ما يُرعب كل جماعة، كالخوف من الذوبان في بحر أكثرية، قد تولَد إذا ما "تُركت دون رقابة". وطبعًا يغذّيها الجهل؛ إذ تصبح الجماعة "ضحية"، ويحقّ للضحية الدفاع عن نفسها دون الشعور بالمسؤولية عن الأحداث. هكذا يولد خطاب الكراهية، وتليه أفعال الكراهية القاتلة.
"الإسلاموفوبيا" تنبع من حبّ غير المسلمين للحريات والدين وطبيعة العيش، وأحيانًا لحُبّ المتوارثات والعادات، وتتغذى بالخوف من ثقافة الآخر وعاداته، وأيضًا من كيفية تلقي الإسلاموفويين لهذه الثقافة والعادات، ومن الاشمئزاز منها. فتصبح الجماعة -كما ذكرتُ آنفًا- "ضحية"، ويحقّ للضحية الدفاع عن نفسها دون الشعور بالمسؤولية عن الأحداث. هكذا يولد خطاب الكراهية، وتليه أفعال الكراهية القاتلة.
التطرّف العنيف ذو الطابع الديني، ينطلق من عشق الدين، والغيرة عليه، والخوف من "غزو الثقافة الغربيّة أو الغريبة"، ومن الاشمئزاز من عاداتهم وطُرق تفكيرهم، وذلك يتغذّى طبعًا بالجهل أيضًا. ومن باب التركيز أراني أُكرِّر لكم/نّ: فتصبح الجماعة "ضحية"، ويحقّ للضحية الدفاع عن نفسها دون الشعور بالمسؤولية عن الأحداث. هكذا يولد خطاب الكراهية، وتليه أفعال الكراهية القاتلة.
الجهل والخوف صديقا الكراهية، ورفيقا دربها الحميمان. فتصبح معادلة الكراهية كالآتي:
(أحبُّ أمرًا ما بشكل كبير وأعتبره الحقيقة الوحيدة) + (أختبر شيئًا مختلفًا كليًّا عما أحبُّ، أو أشعر بتهديد لكينونتي) = يمتلكني الخوف.
عندما يمتلكني الخوف: (قد أختار التقوقع لأني خائف/ة) + (تُغذي خوفي الجماعة بآليات متنوعة) + (أرفض وقائع ووجهات نظر تتضارب مع ما أراه حقيقة) + (أشعر بتهديد لوجودي في كل ما يقوم به الآخر أو الجماعة الأخرى) = يُصبح خطاب الكراهية مقبولًا وطبيعيًّا، ومِن ثَمَّ تتزَيَّا أعمال الكراهية المُبرَّرة بثوب "الدفاع عن النفس" أو "الحرب الاستباقية".
بشكل أسهل أقول: الكراهية لواقع ما أو جماعة ما أو فرد ما، تؤدي إلى التهديد بالخسارة، ومِن ثَمَّ إلى الشعور بالتهديد؛ ما يسوّغ العنف والكراهية. إنها الهويات القاتلة: الـ"نحن" في مواجهة الـ"هُمْ".
هل هذه المعادلة حتميّة؟ طبعًا لا -لحسن الحظ-، وإلّا فَنَت البشريّة. يمكن كسر الكراهية قبل تغلغُلها في العقل والقلب، تحديدًا في مرحلة الخوف. وهنا تكمن الشجاعة في مواجهة الخوف من المجهول، عن طريق: المعرفة، والتنوّر، والتثقيف الذاتي، وقبول الاختلاف جزءًا أساسيًّا من إنسانيّتنا. عندما يُقتل الخوف، تختفي أسباب الكراهية.
لا يعني ذلك التوافق التام، ولا السلام الشامل، ولا القبول غير المشروط لكل ما نختلف فيه، بل يعني معرفة نقاط الاختلاف، ونقاط الالتقاء. فما نتّفق عليه فهو للصالح العام، وما نختلف فيه يذكِّرنا باحترام تنوُّعِنا وإنسانيتنا.
الكراهية ليست سِمَة جينيّة، بل هي شعور أو تصرُّف متطرّف مُكتسَب. وكل ما هو مكتسب، يمكن تفكيكه وإعادة بناء ما هو أفضل منه. لكن، لن تقوم الأنظمة على العمل عليه، لأن التاريخ أثبت حنكتها في تغذية خوف الشعوب والجماعات وكراهيتهم، وخَلْق "عدوّ" لتبرير الحروب والغزو. وحْدَهم الأفراد والجماعات الوَاعُون، يمكنهم العمل على إلغاء الكراهية، بخطوات صغيرة لكن جبّارة كل يوم، وعند كل خوف.
مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.
إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.