الرجوع

هل الإسلام دين ودولة؟ (1)

الإثنين

م ٢٠٢٠/٠٨/٣١ |

هـ ١٤٤٢/٠١/١٣

أُحاول في هذه السلسلة من الأبحاث أن أُسائل عددًا من المنعطفات التاريخية، التي شكَّلتْ تصوُّرنا عن الإسلام مُنذ الأمويين إلى عصرنا الراهن. لكنَّ عملية المساءَلة هذه قد لا يتقبلها بعضهم بسهولة؛ ذلك أنَّ مُفارقة المألوف عسيرة، وعملية النقد الذاتي تُفهَم عادة عند بعضهم أنها نَيلٌ من دين أو معتقد، وقد يَجمح الخيال إلى تهم العَمالة ونحوها! لذلك، أدعو القارئ(ة) الفاضل(ة) إلى ألَّا يتسرع في إصدار أحكام مقدَّمة، على ما سوف أعرضه في هذه السلسلة من رُؤًى نقدية.

إن محاولتي هذه، تسعى بجِدٍّ إلى استيعاب الماضي من أجل فهم الحاضر، ثُمَّ إلى إيجاد حلول لمآزق الواقع، دون القفز فوقه بتصوُّر رومانسيّ عن الماضي أو تبريريّ عن الحاضر. ومِن ثمّ، أرفض القولبة الجاهزة للمشكلات العلمية، التي تميل إلى التبسيط واختزال الأسباب فوق مشاجب الاستعمار أو الرأسمالية أو الصهيونية أو غيرها. فالتاريخ والواقع أكثر تعقيدًا بكثير. ومن أجل كل هذا، فإنَّ فهم الذات -أي فهم تاريخنا بكل تعقيداته- أمرٌ ضروري ومُلحٌّ. وهذا ما أُحاول القيام به بإخلاص.

ظلَّ الإسلام منذ تأسيس الدولة الأُموية عام 661م إلى اليوم، أسيرَ مظاهر عدَّة من التّوظيف السياسيِّ. ولعلَّ مقولة “الإسلام دين ودولة” من أهمِّ تجلياته الراهنة، حيث أفقَد هذا الشعارُ الدينَ استقلاليته، ليُصبح أكثر عُرضة للتوظيف السياسيّ. ومع أنَّ المقولة تعود إلى مُؤسِّسي “الإخوان المسلمين”، إلَّا أن أي باحث سوف يجدها حاضرة في معظم دساتير الدول الإسلامية، لأسباب عدة، سيتطلب بيانها أكثر مما يمكنني تقديمه هنا.

من أهم حجج الذين يدافعون عن هذه المقولة، العودة إلى دولة الرسول عليه السلام في المدينة، التي ينظر إليها بعضهم على اعتبار أنَّها النموذج المثالي من الدولة الإسلامية. لكنَّني أتساءل هنا: هل نظر الرسول عليه السلام إلى دوره الإداري في تنظيم بعض أمور المسلمين، من قبيل توزيع الزكاة مثلًا، باعتباره جزءًا من دوره الديني، بوصفه نبيًّا ورسولًا؟ وهل يُمكن استخدام مفهوم الدولة -وهو مفهوم حديث- لوصف المجتمع في المدينة أيام الرسول؟ أو لِنَقُل: هل نظر الرسول إلى دوره بوصفه رئيس دولة دينية؟ وهل ذلك جزء من المنظومة الدينية في الإسلام؟

جوابي هو النفي. ثم إني أرفض استخدام عبارة “الدولة” لوصف مجتمع المدينة أيام الرسول؛ إذ الدولة مفهوم حديث، لا يمكن إسقاطه على ذلك السياق التاريخي. وهنا، أريد أن أسُوق نقطة على سبيل النقاش، ولا أدَّعي أنها حقيقة نهائية:

لقد حرص القرآن الكريم –وفي ضمْنه سورة المائدة التي يعُدُّها بعضهم إمَّا آخر سورة أُنزلت منه أو قبل الأخيرة-، على تبيان أحكام عملية في حياة المسلمين، من قبيل أحكام الطعام والشراب. أفَلم يكن موضوع خلافة الرسول في رئاسة الدولة -مع تحفظي على استخدام هذا المصطلح-، أهمَّ بكثير من تلك الأحكام التي تعرَّض لها القرآن؟ إننا لا نجد في القرآن ما يدل على اعتناء بنُظم السياسة، ولا يقدم أي نظرية سياسية للحكم، مع أن الرسول عليه السلام لم يمت فجأة، بل ألَمَّ به المرض أيامًا عدَّة، وكانت تلك المدة كافية لتنظيم أمر الخلافة السياسية، غير أنَّ القرآن والرسول سكَتا عن هذا الأمر.

كيف يمكن أن نفهم هذا المعطَى؟ من الواضح أن القرآن نظر إلى المسألة على اعتبار أنَّها دُنيويَّة بحتة لا علاقة للدين بها، وأنَّ على المسلمين إيجاد حلول لمثل هذه المسائل الدُنيويّة. فكيف يقال بعد هذا إن الإسلام دين ودولة؟! لا بل هو دين يحمل منظومة أخلاقية على شكل مبادئ كلية يحثُّ عليها، من قبيل العدالة والحرية والمساوة، ويَترك للناس -في الوقت نفسه- السؤال عن كيفية تطبيقها، بوصفها شأنًا دُنيويًّا.

إن القرآن يُؤكد -خصوصًا في سُوَره المدنية- أن وظيفة النبوة هي التبليغ (انظر سورة النور، الآية 54). أمَّا الهداية فهي من عند الله (انظر سورة البقرة، الآية 272)، وقال تعالى: {فما أرسلناك عليهم حفيظًا} [النساء: 80]. أيضًا أشار القرآن في الآيتين 43 و47 من سورة المائدة، إلى أنَّه على أهل الكتاب الذين عاصروا الرسول عليه السلام أن يَحكموا بالتوراة والإنجيل. وهو الأمر الذي يُشير إلى أن الرسول عليه السلام لم يسْعَ لوضع دستور أو قانون لدولة مُوحَّدة -كما نفهمه اليوم تحت مصطلح الدولة-، بل إن وثيقة المدينة لا تَرقى بِحال، إلى أن توصف بأنَّها نصٌّ جامع لدستور دولة ينظم كل شؤونها القانونية.

يمكن أن نُرجع بداية توظيف الدين إلى التبرير السياسي، مع مقولة الخليفة الثالث عثمان: “لا أنزع قميصًا ألبَسَنِيهِ الله”، حيث جرى تبرير السلطة بِاسم المقدس، لا بِاسم الشورى، أي أن الشرعية لم تأت من الناس بل من السماء. وهذا ما سيستمر مع الحكم الأموي، وما استتْبَعه من الأُسَر الحاكمة.

وللحديث بقية…

مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.

إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.

جميع الحقوق محفوظة © 2025
تصميم وتطوير Born Interactive
معلومات ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين التنقل في الموقع وتحليل استخدام الموقع والمساعدة في جهود التسويق. تحقق من سياسة ملفات تعريف الارتباط الخاصة بنا للحصول على التفاصيل.

إعدادات الخصوصية

حدد ملفات تعريف الارتباط التي تريد السماح بها. يمكنك تغيير هذه الإعدادات في أي وقت. ومع ذلك، يمكن أن يؤدي هذا إلى عدم توفر بعض الوظائف. للحصول على معلومات حول حذف ملفات تعريف الارتباط، يرجى الرجوع إلى وظيفة المساعدة في المتصفح الخاص بك.
تعرف على المزيد حول ملفات تعريف الارتباط التي نستخدمها.

ضروري
وظائف
تحليلات
تسويق

هذا الموقع سوف:

  • يتذكر إعداد إذن ملفات تعريف الارتباط
  • يسمح بملفات تعريف الارتباط للجلسة
  • يجمع المعلومات التي تدخلها في نماذج الاتصال، والنشرة الإخبارية والنماذج الأخرى عبر جميع الصفحات
  • يساعد على منع هجمات التزوير (CSRF) عبر الموقع
  • يحافظ على حالة جلسة الزائر عبر طلبات الصفحة
  • تذكر إعدادات التخصيص
  • يتذكر الإعدادات المحددة
  • يتتبع الصفحات التي قمت بزيارتها والتفاعل الذي اتخذته
  • يتتبع حول موقعك ومنطقتك على أساس رقم IP الخاص بك
  • يتتبع الوقت الذي تقضيه في كل صفحة
  • يزيد جودة بيانات وظائف الإحصاء
  • يستخدم المعلومات للإعلان المخصص مع أطراف ثالثة
  • مح لك بالاتصال بالمواقع الاجتماعية
  • يحدد الجهاز الذي تستخدمه
  • يجمع معلومات التعريف الشخصية مثل الاسم والموقع

هذا الموقع الإلكتروني لن:

  • يتذكر إعداد إذن ملفات تعريف الارتباط
  • يسمح بملفات تعريف الارتباط للجلسة
  • يجمع المعلومات التي تدخلها في نماذج الاتصال، والنشرة الإخبارية والنماذج الأخرى عبر جميع الصفحات
  • يساعد على منع هجمات التزوير (CSRF) عبر الموقع
  • يحافظ على حالة جلسة الزائر عبر طلبات الصفحة
  • يتذكر إعدادات التخصيص
  • يتذكر الإعدادات المحددة
  • يتتبع الصفحات التي قمت بزيارتها والتفاعل الذي اتخذته
  • يتتبع حول موقعك ومنطقتك على أساس رقم IP الخاص بك
  • يتتبع الوقت الذي تقضيه في كل صفحة
  • يزيد جودة بيانات وظائف الإحصاء
  • يستخدم المعلومات للإعلان المخصص مع أطراف ثالثة
  • يسمح لك بالاتصال بالمواقع الاجتماعية
  • يحدد الجهاز الذي تستخدمه
  • يجمع معلومات التعريف الشخصية مثل الاسم والموقع

حفظ وإغلاق