الخوف من الصين أو رُهاب الصين Sinophobia، ينتشر على نحو غير مسبوق. فالعديد من الأقلِّيَّات الصِّينية في أنحاء العالم يجري استهدافها بخطابات كراهية، بعد انتشار فيروس كوفيد-19. وقد يكُون هذا علامة على انحسار رُهاب الخطر الأخضر (الإسلام)، ونموّ رُهاب جديد موجَّه نحو الخطر الأصفر (الصين).
أصبحت الكراهِيَة مفهومًا للدلالة على الخطر، وعدم الأمن، والحاجة إلى السيطرة. وتحولت في كثير من الأحيان إلى أداة استطراديَّة، لتبرير ممارَسات قانونية واجتماعية وعسكرية مِن قِبل بعض النُّخَب السياسية المتشددة؛ لمنح سياساتها وممارساتها الحكومية شرعيَّةً، ولِتحديد سياق الحريات الشخصية بِاسم الخوف من الآخر، كما في تَلاعُب إدارة جورج بوش الابن -وحاليًّا ترامب- في استخدام الكراهية (الموجَّهة نحو أميركا والرأسمالية والعالم الغربي).
تتحول الكراهِيَة إلى ممارَسات منهجية. ومثال ذلك: رُهاب الإسلام، الذي لم يكن نتيجة عمل مجموعة هامشية من المتعصِّبين اليمِينيِّين؛ إذ يَظهرون -كما تُبيِّن المؤلِّفة "ديبا كومار" في كتابها "فوبيا الإسلام"- من: "داخل المؤسسة السياسية، وجهاز الأمن، والأوساط الأكاديمية، ومراكز الفكر، ووسائل الإعلام العامة"، ويؤدُّون أدوارًا في حقبة الحرب على الإرهاب. ومِن ثَمَّ –تُضيف المؤلفة- فإنَّ هؤلاء هُم نِتاج هياكل الإمبراطورية الأميركية، وليسوا مجرَّد "متسلِّلِين" إلى نظام جيِّد. ويمكن -قياسًا على ذلك- تَتبُّع مَسار نموِّ الكراهِيَة المنهجية الموجَّهة إلى الصِّين، في ضوء التنافس الشَّرِس الصيني‑الأميركي.
جرى استخدام مصطلح "الكراهِيَة" بزخم بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر، إذ بدأ استخدام الكلمة ليس مِن قِبل المحافظين الجُدد فقط (وعلى رأسهم بوش الابن)، ومِن قِبل وسائل الإعلام والسياسيين (بصفتها كلمةً تكتيكيَّة وأيديولوجية)؛ بل أصبح مُعطًى واقعيًّا، وكأنَّه ليس اختراعًا، بل ماهيَّةً متقدِّمةً على الوجود. ثم إنَّ الدَّعوة إلى فهم السِّياق السياسي الدُّوَلي لاستخدام المصطلح وتوظيفه، قد تسهم في تفكيك هندسة اجتماعية كونية تُعبِّر عن مصالح مترابطة، بحيث أصبحت تشكِّل حياة الفرد والجماعة، وتسيطر عليهما. إنه استخدام الخوف لتأسيس شموليات جديدة.
إنَّ أهمية لغة الانقسام، مثل: "صراع الحضارات"، أو "إلإرهاب الإسلامي"، أو "محور الشر"، أو "الخطر الأخضر"، وما يقابلها من "حرب الصليبِيِّين" أو "حرب الكفَّار" - تستدعي قاموسًا جديدًا لـ"الخطر الأصفر"، في صيغة انتهاكات منهجية لحقوق الانسان، ودعم الأنظمة الشمولية، والثقافة القائمة على أكل لحم كلِّ ما هو حيّ. وفي هذا السياق، فإنَّ كوفيد-19 علامة للشَّرِّ الصِّيني، الذي سيُهمين على العالم.
يؤكِّد فرضيَّةَ إحلالِ الخوف من الصين مَحلَّ كراهِيَة الإسلام، قِدمُ المَخاوف من الصين بسبب فرادة ثقافتها وعزلتها. فالمشاعر المناهضة للصين عميقة ومستمرة في الغرب، وربما تَرجع بدايتها إلى حرب الأفيون الأولى بين الصين والإمبراطورية البريطانية (1839-1842)، حيث عَدَّ وزيرُ الخارجية البريطاني "اللورد بالمرستون" الصِّينيِّين برابرةً، واقترح مهاجمةَ هذه الحضارة المنعزلة، لإظهار تفوُّق الأمة البريطانية "المتحضِّرة". وخلال الحرب العالمية الثانية، شنَّت الإمبراطورية اليابانية حملات اضطهاد ضد الصينيين، لا سيما في مناطق البَرِّ الرئيسي للصين، التي كانت تحت الاحتلال الياباني. وما تزال آثار المجازر المعادية للصينيين، تغذِّي عَداءً مستديمًا بين الصين واليابان في الوقت الراهن. وخلال الحرب الباردة، أصبحت المشاعر المعادية للصين مرتفعة في أوروبا والولايات المتحدة، بعد إنشاءِ جمهورية الصين الشعبية في سنة 1949، وذُعْرِ الغرب من استيقاظ هذا العملاق الديموغرافي الغريب. ثمَّ إنَّ قرينَه الشُّيوعيَّ الأكبر (الاتِّحاد السوفييتي)، كان يَحمل مشاعر غير مريحة بسبب المنافسة، والإحساس بالتهديد من ثقافة تَحفر طريقها الخاص، داخل نفق الإيديولوجيا الماركسية المشتركة.
بعد الحرب الباردة، ما تزال المشاعر المناهضة للصينيين عالية، ومدفوعة بمخاوف غربية من الهيمنة الصينية، إذ تشير الفلسفة الصينية "تيانكسيا" إلى أنَّ الجميع متساوُون تحت السماء Tianxia: All under Heaven، وإلى عالَم بديل يتحدى الفلسفة المركزية الغربية للنظام الدُّوَلي، الذي انطلق من معاهدة وستفاليا سنة 1648. وقد حوَّلَت الإصلاحاتُ الاقتصادية في التسعينيات الصينَ، إلى مارِدٍ صاعد إلى قمة النظام الدولي، تخشاه القوى العظمى، مثل: روسيا، والاتِّحاد الأوروبي، والولايات المتحدة وجيرانها الذين يمثِّلون أكثر الاقتصاديات تنافسيَّة في العالم (مثل اليابان التي تشعر بأنها قزم يدوس على قدم عملاق جبّار)، والهند، وكوريا، وسنغافورة، وتايوان.
مع انتشار الفيروس، تنمو الخشية من الصين، وتُتَرجم إلى كراهِيَة، وكأنّه لا أحد يحبُّ الصِّين!
مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.
إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.