اِقترحَت رئاسة الجمهورية في العراق مشروع قانون يحمل عنوان "تعويض الناجيات الأيزيديَّات"، وأرسلَتهُ إلى مجلس النوَّاب لمناقشته. وهو قانون يستهدف فئة الناجيات الأيزيديّات، اللاتي حُرِّرْن من قبضة تنظيم "داعش"، الذي اختطفهنَّ عام 2014.
تبدو عملية تقديم مُسَوَّدة القانون خطوة إيجابيّة، لدعم الناجيات في التخلُّص من جروح الماضي، وتعويضهنَّ نفسيًّا ومادِّيًّا، عمَّا تعرَّضْن له من بشاعة على يد عناصر تنظيم "داعش". وينصُّ مشروع القانون على استحداث مديريّة خاصة بإحصاء أعداد المختطَفات، وفتح مراكز إعادة تأهيل واندماج، وأيضًا تخصيص رواتب تقاعدية لهنَّ، إضافة إلى إعادة الراغبات منهن إلى مقاعد الدراسة واستِثنائِهِنّ مِن شرط العمر المحدَّد لذلك، فضلًا عن إعطائهن الأولويّة في التعيينات الحكومية في مؤسَّسات الدولة العراقية.
لكن، هناك مشكلة في القانون. فَفِقْرته السابعة تتحدث بـ"الأوضاع القانونية للأطفال المولودين من الأمهات الناجيات". وهُنا، وَفْقًا لقانون البطاقة الوطنية الموحَّدة في العراق، فإن هؤلاء الأطفال سيُسجَّلون على أنهم "مسلمون"، لأنه يَنصُّ في الفقرة الثانية من المادة 26 منه على أنه: "يَتبع الأولاد القاصرون في الدين مَن اعتنق الدين الإسلامي من الأبوَين".
تحدَّثتُ إلى أعضاء في البرلمان العراقي من المكوِّن الأيزيديّ وكُتَل أخرى. قالوا لي: "ربما تكُون هناك إضافات إلى القانون، وربما يجري رفع سقف المطالب والتعويضات فيه، بما يتلاءم وحجم المأساة التي مرَرْن بها". وتعقيبًا على تعليق أعضاء البرلمان حول تعزيز المشروع بفقرات أخرى، فمِن الجيِّد أن تكُون هناك تحرُّكات لتعزيز الحقوق والتعويضات الموجودة في مُسَوَّدة القانون. وهذا يُحسب لمجلس النواب العراقي، الذي ستصل إليه مُسَوّدة القانون خلال الأيام المقبلة. لكن السؤال يبقى لدى الحكومة العراقية.
مِن الصعب جدًّا، أن يجري حلُّ المشكلة الموجودة في المادة 26 من قانون البطاقة الوطنية الموحَّدة. فهذا يحتاج إلى توافُق سياسي، يتحول فيما بعد إلى توافُق داخل مجلس النواب لحلِّها. ولا يبدو هذا سهلًا أو مُتاحًا، على الأقل خلال الأعوام الثلاثة المقبلة؛ نتيجة سيطرة الأحزاب ذاتها التي شرَّعَت القانون عام 2015، بأغلبية مجلس النواب. وبشكل عامٍّ، أعتقد أن مجلس النواب العراقي، لن يواجه أيَّ مشاكل في التصويت على مُسوَّدة مشروع تعويض قانون الناجيات الأيزيديّات، ولا أرى وجود أيِّ خلاف حوله. فجميعهم يُريدون إبداء التضامن مع الأيزيديِّين، فيما تعرَّضوا له من ظُلم واضطهاد كبيرَين، وأيضًا لا يُريدون مواجهة أيَّ حَرَاك، ينتقد وقوفهم في وجه المشروع، إذا ما حدث ذلك.
يُمكننا تشريعُ آلاف القوانين، وجعْلُها أفضل من قوانين البلدان المتقدمة، في ملفَّات الحقوق والحريات وتعويض ضحايا الحروب. لكن، ماذا عن التنفيذ؟ هنا، تَكمن مشكلتنا الأساسية. فربَّما تكُون لدينا بعض القوانين إيجابيَّة، لكنَّ آليَّات التنفيذ والروتين تُعيق الاستفادة منها. إنّ إنشاء مديريّة مرتبطة بالأمانة العامة لمجلس الوزراء، وبناء مراكز إعادة تأهيل نفسي، ورواتب تقاعدية، ليس ذلك بالأمر الهيِّن. فكُلٌّ منها يحتاج إلى تخصيصات ماليّة، وإلى إجراءات تنفيذية سريعة، بعيدة عن الروتين الموجود في مؤسسات الدولة.
تحتاج الأيزيديّات -إضافة إلى القانون- إلى مزيد من التضامن الشعبي، وكسر أيِّ صُوَر نمطيّة رُسمَت عنهنّ، أو عن المكوِّن الأيزيديّ بشكل عامّ. والأهمُّ من ذلك كلِّه، يجب أن تضع الحكومة العراقية آليّات حقيقية، لرسم برامج بعيدة المدى للأيزيديِّين، تتعلق بـ: توثيق معاناتهم، ومحاكمة مرتكبي الانتهاكات، وتعويضهم مادِّيًّا ومعنويًّا، وصناعة برامج دراميَّة وسينمائية تُعالج قضاياهم، وإعادة بناء مدينتهم "سنجار".
في مناسبة الحديث بـ"سنجار"، فإننا أمام مدينة تُعتبر هي المعقل الأساسي للأيزيديِّين، لكنها دُمِّرت بنسبة 90%. وهذا ما يُسبِّب تشتيتًا جغرافيًّا للأيزيديِّين، الذين كانوا يعيشون في مكان واحد. لكنهم الآن تَوزَّعوا بين الجبال، وإقليم كوردستان، وأوروبا، وتركيا. والآلاف منهم ما زالوا في المخيَّمات. ليس هذا فحسب، فـ"سنجار" تحوَّلت من منطقة هدوء وسلام، إلى منطقة صراع داخلي وخارجي، ينتشر فيها عدد كبير من جماعات مسلَّحة تتقاتل فيما بينها. وهذا واحد من الأسباب التي تُعيق استعادة أحد حقوقهم، وهو حقُّ السكن في بيئة آمنة.
علينا ألَّا نكتفي بتشريع قانون لتعويض الأيزيديّات، بل علينا الذهاب إلى أبعد من ذلك. وأقصد بالأبعد، متابعة تشريع القانون وتنفيذه، وأيضًا مراقبة الإجراءات الحكومية في تقديم المساعدة لهؤلاء الضحايا، وإلَّا فما فائدة وجود قانون لم يُطبَّق؟!
أخيرًا: أقترح أن تتضمن فقرات المشروع، اعتبار إحدى المناسبات الدينية الأيزيديّة، يومًا وطنيًّا، يتضامن فيه كلُّ العراقيِّين مع هذا المكوِّن الأصيل.
مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.
إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.