لستُ مثاليًّا، ولا مَلاكًا، لكنني أدعو الله في كلِّ يوم ألَّا أكُون من الظالمين. وهنا، لا أقصد بالضرورة الكبار (زعماء أو قادة أو رؤساء أو أرباب عمَل)! أبدًا، لا أريدُ أنْ أَظلِم، حتى ولو بتفكير سيِّئ تجاه شخص ما؛ إذ الظُّلم يُجرِّد الإنسانَ من إنسانيته.
بعضُنا قد يَظلم بعضَنا، بفِعلٍ، أو بكلمة، أو حتى بظنٍّ. هذا الظُّلم الذي يرافق الإنسانَ منذ لحظاته الأولى، في الإمكان أن يتوقف، أو -في أضعف الأحيان- يَقِلّ. والفرص كثيرة ومُؤَاتِيَة. ولكن، هل نسعى إلى ذلك؟ وهل نُحاول أن نضغط على أنفسنا لِنتجنَّب ارتكابَه؟
في مواقع التواصل الاجتماعي، التي وفّرت لنا مساحة كبيرة لإبداء الآراء وسرعة انتشارها، صَنعَت من جانب ما بيئة غير إيجابية بين الناس، وكثرت فيها سِماتُ الظلم، التي خلَقَت مِن ثَمَّ فجوة مجتمعية كبيرة، لا يُمكن لها أن تُردَم في عامٍ أو عامَين، لأنها ستحتاج إلى سنوات طويلة. إنَّ صُوَر الظُّلم الموجودة في مواقع التواصل الاجتماعي، تتَّسع بشكل كبير. فمَرَّةً بصورة نمطية عن مجتمع أو ديانة أو مذهب أو قومية، ومرَّةً أخرى عن التشكيك في الضحايا، وتارةً بالتشهير بأشخاص "أخطَؤُوا"، أو ارتكَبُوا فِعلًا ما أدَّى إلى مقتلهم؛ ليس بسبب الفعل، بل بسبب التشهير و"الفضيحة" التي تسببت بها مواقع التواصل الاجتماعي، التي نَصَّب رُوَّادُها فيها أنفسَهم قُضاة على غيرهم.
ظُلْمُ بعضِ بني البشر لبعضهم كبير، وكبيرٌ جدًّا، وهو برأيي أسوأ فِعل يمْكن أن يقوم به الإنسان. فمَراحل ارتكاب الأخطاء والخطايا، يجب ألَّا تَصِل إلى مراحل الظلم، الذي قد يتفشَّى مثل وباءٍ بين المجتمع. فكثيرًا يرتكب المظلومون ظُلمًا إذا ما تمكَّنوا في حياتهم، ويؤكِّد ذلك المُنظِّر الفلسطيني إدوارد سعيد، الذي قال: "نحن ضحايا الضحايا"، وذلك في إشارة منه إلى أنَّ الشعب الفلسطيني، هو ضحية ضحايا الهولوكوست اليهود. فالظُّلم هو خِيار له آليَّات متعددة، مثل الرحمة. فمرَّةً نظلم بفعل، وأخرى بموقف، أو بكلمة، وأحيانًا بظَنٍّ. بَيْد أنَّ السؤال الأساسي: "هل يستطيع الإنسان أن يتوقف عن الظُّلم؟". بكل تأكيد: نعم.
في إمكاننا اليوم، أن نَبقى في خِضمِّ منافسة بعضنا لبعض في هذه الحياة، ولكن دون أن نظلم. فنستطيع أن نبقى مختلفين في الآراء والمواقف والتوجهات، دون أن نكون ظالمين، ونستطيع تحقيق النجاح والوصول إلى القِمَّة أو دونها، مِن غير أن يَدُوس بعضُنا على بعض. كلُّ شيء في إمكاننا فِعلُه، دون استخدام الظُّلم وسيلةً. أيضًا مع محاصَرة جائحة كورونا للعالم اليوم، وتَسبُّبها بشبه تعطيل تامّ للحياة، وعرقلة عجلة الاقتصاد؛ علينا أن نَطرح على أنفسنا مجموعة من الأسئلة، أوَّلُها: هل رَحِمَ بعضُنا بعضًا؟ وهل وظَّفْنا كلَّ هذا التطور التكنولوجي والاقتصادي لمنع الحروب، أو لإطعام جَوعى العالم وإنهاء الفقر أو تخفيفه؟
في رمضان من كلِّ عام، ندعو بأنْ يعُود علينا هذا الشهر بالخير والبركة، وبحالٍ أحسن من حال. لكننا لم نسأل أنفسنا، كيف يُمكن لهذا الحال أن يتحسن، وهل يكون بتطوُّر تكنولوجي، أمْ بضغطة زِرّ، أمْ بدعاءٍ عابِر وغير صادق، أمْ بحسن معاملة بعضنا لبعض! شخصيًّا، لا أَعتبر شهْرًا مثل رمضان، أو أيَّ مناسبة دينية أخرى إسلامية أو غير إسلامية، أنه مناسبة عبادية بَحْتة، بل على العكس، أَعتبرها أوقات تذكير وتنبيه للإنسان، لمراجعة سلوكه وتصرُّفاته في التعامل مع الآخرين. فالهدف الأساسي من هذه المناسبات يتعلق بالأخلاق، وبالتفاصيل الروحية التي تُقوِّم الإنسان، وتُخفِّف من بشاعته المكتسَبة في تعاملاته الحياتية. فنحن لم نُخلق وُحوشًا، ولا ملائكة، لكنَّ الظُّلم الذي حولنا يُسهم في بناء جدران عازلة، تَمنع إظهار جانب الرحمة فينا.
في رمضان، نصوم عن الأكل والشرب. لكن، هذا ليس كافيًا. فاعتقادنا أنَّ صيامنا يقتصر على شهر واحد، ليس صحيحًا؛ إذ إنسانيَّتنا تَحْتم علينا أن نصوم العمر كلَّه. ولكن، عن ماذا؟ بالطبع عن الظُّلم. جاء في الحديث القُدسي: "يا عبادي، إنِّي حرَّمتُ الظلمَ على نفسي وجعلتُه بينكم محرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا". فلماذا لا يُفكِّر كلُّ واحد منّا قبْل أن يقوم بعمل أو تصرُّف ما، فيسأل نفسه: "هل وُصولي إلى هدفي يُجْبرني على الظُّلم، أمْ أنَّ النتيجة تحتم وُقوع ظلم على إنسان ما؟". هذا السؤال الذي لا يحتاج إلى سوى دقيقة واحدة، سيمنع الكثير من المصائب في حياتنا، وسيُريح أُناسًا عانَوا كثيرًا الظُّلمَ، الذي لا يُحبُّه الله.
مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.
إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.