تبدو نهاية العالم ضرورةً عَقَدِيَّةً مُلِحَّة في النصوص الدينية، والتُّراث الكَلامي واللاهوتي في الأديان الإبراهيمية. فنهاية العالم تُثبت نقْصَه ومخلوقيَّته، وبنهاية هذا العالم يتجلَّى عالَم آخَر، حيث يُبعث فيه الأموات، ويتحقَّق الثواب للمُحسنين/ات الأبرار، والعقاب للظالمين/ات الأشرار.
يؤكِّد القرآنُ نهايةَ العالَم وما يرافقها من انهيار كَونيّ، كما في سورة التكوير: {إذا الشَّمسُ كُوِّرَتْ، وإذا النجوم انكدرت، وإذا الجبالُ سُيِّرتْ} [التكوير: 1-3]. وينسجم ذلك مع إنجيل متى: "وللوَقتِ بعدَ ضيقِ تلكَ الأيَّام تُظلِمُ الشَّمسُ، والقمرُ لا يُعطِي ضَوءهُ، والنُّجومُ تَسقطُ منَ السَّماءِ، وقوَّاتُ السَّماواتِ تتزعزعُ" (متى 24: 29). لقد استحوَذَت محاولات تحديد زمن نهاية العالم، على تفكير كثير من أتْباع الأديان والمعتقدات، وعلى جهودهم. فجعلوا لها علامات كَونيَّة واجتماعية وأخلاقية، حيث تُشير بعض المَرويَّات، إلى أنَّه ستَحلُّ نهاية العالم عندما يصل الشَّرُّ إلى أقصى مَداه. وقد ربطَت بعضُ العقائد الدينية بين نهاية العالم وحدوث خلَلٍ ما، وقَع في المَشاهد البَدْئيّة لوجود العالم.
لا بد من الاعتراف هنا، بأنَّ كثرة المَرويَّات المتصلة بنهاية العالم، قد ساعدَت على تعميق هذا الاعتقاد. هذا إضافة إلى ربط تلك المَرويّات بين نهاية العالم وتحقيق العدالة، واستحضار شخصيات استثنائية "منتَظَرة"، تَملك قدرات خارقة، وقادرة على تحقيق النصر في المعركة النهائية بين الخير والشر.
تتَّصل فكرة نهاية العالم بفكرة "مَركزيَّة الإنسان"، والتي تجعل وجود العالم تابعًا لوجود الإنسان ومصيره. والواقع أنَّ العلوم المُعاصِرة قد تجاوزَت هذه الفكرة. فوجود الكون يعُود إلى 13.8 مليار سنة، والأرض وُجدت منذ قرابة 4.6 مليارات سنة، وبداياتُ الجنس الذي تَفرَّع منه الإنسان، لم يوجد إلَّا قبل 2.5 مليونَي سنة، وما يُسمَّى بالإنسان الحديث ظهَر قبل قرابة 200,000 سنة فقط. وهذا يعني أنَّ العالَم قد بقي دون الإنسان، فترةً أكبر بكثير من تلك التي وجد فيها الإنسان على الارض.
إمكانية انتهاء الحياة على الأرض، هي أمرٌ محتَمَل؛ إذْ سبَق أنِ انقرضَت -وما تزال- أشكالٌ كثيرة من الكائنات. ونذكر هنا دراسةً نُشرت في دورية "نيتشر" (Nature)، أشارت إلى إمكانية أنْ يؤثِّر ما يُسمّى بالانقراض المشترَك (Co-Extinction)، في مستقبل الحياة على الأرض. وفي دراسة أخرى لجمعية عِلم الحيوان في لندن، أُجريت على 16.704 تَجمُّعاتٍ حيوِيَّة، من أكثر مِن 4000 نوع من الكائنات الحيَّة، خلَصَت إلى أنه قد جرى القضاء على 60٪ من الثَّدْيِيَّات والطيور والأسماك والزواحف، منذ عام 1970 فقط، حتّى عام 2014.
إنَّ تَوقُّع نهاية العالم ليس حدَثًا جديدًا في ثقافاتنا البشرية؛ إذ بحسب تقويم ثقافة المايا (حضارة قديمة في وسط أميركا)، كان يجب أن تكُون نهاية العالم في عام 2012. إلّا أنَّ سيناريوهات النهاية تبقى مختلفة، حيث تتعدَّد الآراء بين حربٍ كَونيَّة نوَوِيَّة، واحتباس حراريّ، وارتطام كوكب أو جِرم بالأرض، وحدوث تضخُّم في حجم الشمس وزيادة حرارتها، حتى خطر ظهور ثقب أسود! ويؤكِّد القرآنُ أنَّ معرفة نهاية العالم، لا يَعْلمها إلَّا الله: {يسألونكَ عن السّاعةِ أَيّانَ مُرساهَا قلْ إنّما علمُهَا عندَ ربّي لا يجلّيهَا لوقتهَا إلا هو} [الأعراف: 187]. وفي ذات المعنى يقول الإنجيل: "وأمَّا ذلك اليومُ وتلك الساعةُ فلا يَعْلمُ بهما أحدٌ، ولا الملائكةُ الذين في السماء، ولا الابْنُ، إلَّا الآبُ" (مرقس 13: 32).
التَّذرُّع بعدم وجود إجابات عِلميَّة، عن الأسئلة الفلسفية حول الغاية من وجود العالم أو نهايته، لا يعني أنَّ كلَّ الاجابات المطروحة صحيحة، أو لا تَقْبل النقاش. ولكن، في الجهة المقابلة، نرى أنَّ التفكير في الواقع المادي للعالم -بعيدًا عن الغايات الروحية-، قد يجعل الحياة بمنزلة إبحار في مَركب صغير، ضائع في محيط لا نهاية له. ومِن ثَمَّ فإنَّ اللجوء إلى تلك الغايات، يمْكن أنْ يساعد المُؤْمن على تقبُّل الحياة، والاستمرار فيها حتى النهاية.
مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.
إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.